فصل: مطلب: في الصوم وفرضيته والأعذار الموجبة للفطو والكفارة وإثبات الهلال وإنزال الكتب السماوية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.مطلب: في الصوم وفرضيته والأعذار الموجبة للفطو والكفارة وإثبات الهلال وإنزال الكتب السماوية:

قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} اللّه فتعرضون عن شهواتكم الخسيسة إلى طاعة ربكم النفسية، لأن الصوم يعقم الشهوة، وقد فرض اللّه تعالى على هذه الأمة المحمدية الصوم، وأعلنه رسولها محمد صلّى اللّه عليه وسلم على رأس ثمانية عشر شهرا من الهجرة، قبل غزوة بدر الموافقة في 17 رمضان السنة الثانية من الهجرة، بشهر وبضعة أيام، أي في أوائل شعبان، وقد أخبر اللّه في هذه الآية أن الصوم ليس من خصائص هذه الأمة بل هو فرض قديم، تعبد اللّه تعالى به الأمم السابقة، قالوا إن النصارى كانوا يصومون رمضان فشق عليهم في الحر فأجمعت علماؤهم على جعله في فصل معتدل من السنة بزيادة عشرة أيام كفارة لعملهم، ثم إن أحد ملوكهم مرض فنذر زيادة سبعة أيام إن شفاه اللّه، فشفي، ثم كان ملك آخر فأكمله ثلاثة أيام فصار خمسين يوما، ثم خففوه على أنفسهم بالاقتصار على عدم أكل كل ذي روح، وهم يصومونه الآن على هذه الصورة في موسم الربيع، وقد تواترت الآثار على أن الصيام متعبد فيه من لدن آدم عليه السلام ولم تخل أمة منه، فهو عبادة قديمة لم يخل زمن منها البتة.
والعبادة إذا عمت سهلت، وإذا خصت شقّت.
وكان قبل الإسلام من كل شهر ثلاثة أيام ويسمونها الليالي البيض الثالث والرابع والخامس عشر من كل شهر، وسميت بيضا لكمال البدر فيها، وبالنظر لما ورد فيها من الأخبار فإن بعض الناس وخاصة النساء يصومونها الآن، وكذلك اليوم العاشر من المحرّم الحرام المسمى عاشوراء، روى البخاري ومسلم عن عبد اللّه رضي اللّه عنه قال: قال لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة أي النكاح فليتزوج فإنه أغضّ للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء أي خصاء لأن الوجيء رخي الخصيتين ودقهما، ولما كان هذا الصيام الذي كتبه اللّه تعالى مبهما بينه بقوله عز قوله: {أَيَّامًا مَعْدُوداتٍ} أي أنه أكثر ممّا كان قبل متعارفا من صيام أيام البيض وعاشوراء، ولما كانت هذه الأيام أيضا مهمة لأنها غير محصورة فإنها تحتاج إلى التوضيح والتحديد، لأن لفظ أياما يحتمل يومين فأكثر لأن الأمم الماضية كانت تصوم أياما معلومات من أشهر مخصوصة كالمحرم ورجب وذي الحجة، وصيام موسى عليه السلام كان إتمام شهر ذي القعدة وعشر من ذي الحجة فقد بينه بالآية التالية لهذه وشرع يبين الرخصة فيه فقال: {فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلى سَفَرٍ} يشق عليه فيها الصيام فاضطر لما رأى من الكلفة في حضر أو سفر إلى الفطر: {فَعِدَّة} أي عليه صوم مقدار عدة الأيام التي أفطرها: {مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} بعد شفائه من مرضه أو عودته من سفره: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} يكلفون بصومه فيرون فيه كلفة زائدة لكبر أو عجز ولا يتمكنون من القضاء، لأن كل أيامهم هكذا بخلاف المرض غير المزمن والسفر المنقطع إذ يتمكنون فيما بعدها من قضاء ما أفطروه بالشفاء والإقامة، أما الذين لا شفاء لهم كالزمنى والمرضى الذين لا يرجى برؤهم والهرم العاجز، فمثل هؤلاء إذا كانوا أغنياء يكون عليهم: {فِدْيَة} بدل صيامهم لأنهم معذورون كل عمرهم، والفدية الواجبة عليهم هي: {طَعامُ مِسْكِينٍ} واحد غداءه وعشاءه عن كل يوم: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا} بإطعام أكثر من مسكين نظرا لسعة حاله وطلبا للثواب وتحللا مما يجد في قلبه من الأسف على عدم قيامه بهذا الفرض وحرمانه من أجره لتصلبه في دينه: {فَهُوَ خَيْر لَهُ} عند ربه وأعظم ثوابا له: {وَأَنْ تَصُومُوا} أيها المسافرون والمرضى والعجزة مع تجشّمكم مشقة الصيام: {خَيْر لَكُمْ} عند ربكم واطمن لقلوبكم وأكثر أجرا من أخذكم بالرخصة: {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [184] ما للصائم عند اللّه من الخير الذي هو خارج عن الحصر، فلو علمتم ذلك لتحملتم المشقة وصمتم براءة لذمتكم على أتم وجه وثلوجة لصدوركم بإزالة ما يحوك فيها من التأثم من الإفطار لأن الإثم حزاز القلوب وترقبا لحصول فرحة الإفطار وفرحة لقاء الملك الجبار.
وليعلم أنه يجوز الأخذ بهذه الأخيرية إذا لم يضر الصوم بالمريض أو المسافر أو العاجز، فإن ضرّ حرم عليهم الصوم ووجب الإفطار أخذا بالرخصة لصيانة النفس، إذ لا يجوز الأخذ بالعزيمة على الصيام إلا إذا تحقق القدرة وعدم المضرة، وإلا بأن علم من نفسه أو من إخبار طبيب أن الصوم يضره تركه حالا، ولهذا قال تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} إذ صدر الجملة الذي ختم بها الآية: بإن المفيدة للشك، أي إن كنتم تعلمون أن صيامكم خير من الإفطار بأن تقدروا عليه دون كلفة ضارة فصوموا، وإلا فلا يكلف اللّه نفسا إلا وسعها، ولا حرج في هذا الدين السمح، ويشير قوله تعالى: {عَلى سَفَرٍ} أنه لا يجوز الإفطار إلا لمن أدركه رمضان وهو متلبس بالسفر، لأن المراد بقوله الآتي: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ} أي حضر رؤية الهلال وهو مقيم، ولهذا قال علي كرم اللّه وجهه وابن عباس رضي اللّه عنهما ذلك لمن أهل الهلال وهو مسافر.
وأما من أنشأ السفر في رمضان فليس له أن يفطر، أي إذا خرج من البلد وهو صائم فليس له أن يفطر هذا اليوم الذي أنشأ فيه السفر بعد تلبسه بالصيام، لأن كلمة على سفر غير كلمة مسافر.
ثم بين تلك الأيام التي ذكرنا أنها تحتاج إلى التبيين بقوله جل قوله: {شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، وهذا من التدريج أحد أنواع البديع إذ لم يذكر نزوله في هذه الآية ليلا أم نهارا، ثم أنزل قوله تعالى: {فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ} أول سورة حم الدخان ولم يذكر أي ليلة هي فأنزل الله: {إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} هكذا ذكر الإمام الغزالي في إحيائه.
على أن نزول سورة القدر قبل نزول حم الدخان، ونزولهما في مكة، والآية التي نحن بصددها نزلت في المدينة بعد سنين، فلا يتجه هذا بحسب النزول، أما على ترتيب القرآن فلا قول فيه، تأمل.
ومن كرامة هذا الشهر على اللّه أنه أنزل فيه الكتب السماوية كلها، روى أبو داود أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال: أنزلت صحف إبراهيم لثلاث ليال مضين من رمضان، وأنزلت توراة موسى لست ليال من رمضان، وأنزل إنجيل عيسى لثلاث عشرة مضين من رمضان، وأنزل زبور داود لاثنتي عشرة ليلة من رمضان، وأنزل القرآن في الرابعة والعشرين لست بقين من رمضان، وتقدم أنه أنزل في السابعة عشرة أو العشرين منه كما أو ضحناه في المقدمة في بحث نزول القرآن، فيكون المراد من إنزاله في الرابعة والعشرين هو إنزاله جملة واحدة إلى بيت العزة في سماء الدنيا، ثم بدأ بإنزاله على حضرة الرسول في السابعة والعشرين.: {هُدىً لِلنَّاسِ} هو نفسه هدى على الإجمال: {وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ} على التفصيل للحلال والحرام والحدود والأحكام: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ} وكان حاضرا مقيما غير معذور: {فَلْيَصُمْهُ} وجوبا: {وَمَنْ كانَ} حين هل الشهر أو قبله: {مَرِيضًا أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّة} وجوبا: {مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} يصومها بدلها حال إقامته وشفائه: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ} أيها الناس: {الْيُسْرَ} فيرخص لكم الإفطار في المرض والسفر والعجز: {وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} فيشدد عليكم بما لا تقدرون عليه ولا تستطيعونه لأن الدين يسر: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} لأيام الشهر كله أداء وقضاء: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ} لصيامه وإكماله، إذ قدركم عليه: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [185] ربكم الذي لم يجعل عليكم حرجا في ما شرعه عليكم من الدين وتحمدونه على ما كتب عليكم من فرضه وما جعل لكم من الأجر على قيامكم بما كلفكم به، وفي هذه الجملة الأخيرة إشارة إلى صلاة عيد الفطر لأنها تعقب كمال الصيام، روى البخاري ومسلم عن عائشة قالت: كان يوم عاشوراء لقوم قريش في الجاهلية، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يصوم معهم أيضا، فلما قدم إلى المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه.
وما قيل إن قوله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية} منسوخ لا صحة له، بل هي محكمة بدليل ما روى البخاري عن عطاء أنه سمع ابن عباس يقرأ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة} قال ابن عباس ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينا، وقال هي خاصة في حق الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم، ولكن يشق عليه، رخص له أن يفطره ويفتدي، وكذلك العجوز، وإنما جاز لها الفدية لعدم القدرة المستمرة، أما المريض والنفساء والمسافر فيجب عليهم القضاء عقب زوال عذرهم، فإن ماتوا ولم تمض مدة يتمكنون فيها من القضاء فلا فدية عليهم، وإلا فعليهم الفدية من مالهم.
ووقت الصيام قد ذكره اللّه تعالى بأنه بعد رؤية الهلال من رمضان، وقال صلّى اللّه عليه وسلم: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، وجاء في حديث آخر: الشهر تسع وعشرون ليلة فلا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأقدروا له، وفي رواية فأكملوا العدة ثلاثين يوما.
ومعنى أقدروا له أي احسبوا له حسابه، وفيه إشارة إلى جواز الأخذ بأقوال المنجمين الموقتين، وعليه قول ابن وهبان في منظومته:
وقول أولي التوقيت ليس بموجب وقيل بل والبعض إن كان يكثر ومنه يعلم أن الشهر الفلكي غير الشهر الشرعي لأنه قد يولد ولا يرى، وقد يرى في مكان دون آخر، ولا خلاف في ذلك لاختلاف المطالع، ويشترط للصوم الرؤية في المكان الذي أنت فيه أو القريب منه لا الولادة، والمحل البعيد بالتعبير الشرعي وهو أن يكون غير القطر الذي أنت فيه، ويختلف القطر بثلاثين مرحلة أي مدة شهر كامل، ويشترط للرؤية في الصحو جماعة بنسبة أهل البلد، وفي الغيم اثنان، ويجوز أن يصام برؤية عدل واحد، ولا يجوز الإفطار إلا بعدلين.
هذا والمرض المبيح للفطر مطلق بإطلاق اللّه تعالى، فإن كان ما به لا يتكلف معه إذا صام صام، وإذا رأى تكلفا أو خاف زيادة المرض فليفطر، وكذلك المسافر، ولهذا قال صلّى اللّه عليه وسلم ليس من امبر الصيام في امسفر حملا على ما يتوقاه الصائم من المشقة.
والسفر المبيح للفطر المجمع عليه ثلاث مراحل مقدرة بثمانية عشرة ساعة، وهذا ما يطمئن إليه الضمير وتقنع به النفس وينشرح له الصدر ويتصور فيه المشقة، وهناك أقوال بأقل وأكثر لا يوثق بصحتها، والآية لا شك مطلقة وإبقاء المطلق على إطلاقه أولى، إلا أن السفر لا يطلق عادة على مسافة أو ساعة أو ساعتين مثلا من قصد الأمكنة القريبة، بل يطلق على الأمكنة البعيدة وأقلها ثلاثة أيام، وقد تعورف هذا، والعرف له دخل في الأحكام التي لا نص فيها، حتى أن الإيمان بني على العرف بإجماع الفقهاء وليعلم أن الثلاثة أيام يطرح منها أوقات الراحة والنوم، ولذلك تطلق المرحلة على اليوم، وأقل المراحل سفر بريد وهو أربعة فراسخ والفرسخ على أصح الأقوال فيه ساعة ونصف، لذلك قدرت بست ساعات، ومن قدره بساعة واحدة واعتبر البريد أربع ساعات واعتبر السفر اليومي على شطرين، قدّر قبل الظهر أربعة فراسخ وبعده أربعة وجعل مدة السفر مرحلتين أي ست عشرة ساعة، وعلى هذا مذهب الشافعي، وعلى الأول أبو حنيفة رحمهما اللّه، وسيأتي لهذا البحث صلة في الآية 101 من سورة النساء الآتية عند بحث قصر الصلاة إن شاء اللّه تعالى، وكررت جملة: {مَنْ كانَ مَرِيضًا} للتأكيد، وقال بعض المفسرين إنما كررت لئلا يتوهم نسخ الأولى بالثانية تبعا لجملة {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} لأن ابن عباس أولها بالقادرين على الصوم دون عجز وكبر، وعليه فالمطيق يفطر ويفدي، وغير المطيق يفطر ولا يفدي، فينعدم الصيام ويتعطل ركن من أركان الإسلام وهو لا يجوز قطعا ويتحاشى ابن عباس عنه.
على أن الحديث المار ذكره ينفي هذا التأويل كما علمت، أما من أوّلها بالعاجزين كما جرينا عليه فلا يقول بالنسخ وهو الأولى واللّه أعلم.
وقدمنا في الآيتين [11: 17] من سورة سبأ والآية [17] من سورة النحل ما يتعلق بمعنى البريد والفرسخ وما يتشعب عنهما.
أما ما جاء في فضل رمضان فكثير نكتفي منه بما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال النبي صلّى اللّه عليه وسلم إذا دخل رمضان صفدت الشياطين وفتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار.
وروى البخاري ومسلم أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال: من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
ورويا عنه أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا الذي أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه.
ولخلوف فم الصائم عند اللّه أطيب من ريح المسك.
والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب، فإن شتمه أحد أو قاتله فليقل إني صائم.
ورويا عن سهل ابن سعد قال: قال صلّى اللّه عليه وسلم: «إن في الجنة بابا يقال له الريّان يدخل منه الصائمون فيقدمون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق لئلا يدخل منه أحد يضاعف لهم الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمئة ضعف إلى أكثر» {وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِع عَلِيم} وفضل اللّه ليس له حد فامثله فليعمل العاملون، وبه فليتنافس المتنافسون.
وسمي رمضان لا شتقاقه من الرمضاء وهي الحجارة المحماة بالشمس، ولما نقلوا أسماء الأشهر من السريانية إلى العربية سموها بالأسماء التي وقعت فيها من المواسم، وقد وافق رمضان أيام الحر فسمّوه به لذلك.
واعلم أنه يجب على من أفطر بسبب مرض أو سفره أو عجز أو حيض أو نفاس أن يمسك عند زوال العذر، بأن شفي أو أقام أو طهرتا، وكذلك من فسد صومه بسبب ما وعليهم القضاء جميعا إلا العاجز المار ذكره، أما الصبي إذا بلغ والكافر إذا أسلم أثناء اليوم فعليهما الإمساك لا القضاء، لأنه لم يكن واجبا عليهما قبل، والمجنون كذلك، ومن أراد زيادة التفصيل فعليه بكتب الفقه، ومن يرد اللّه به خيرا يفقهه في الدين.
{وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيب} منهم قرب مكانة لا قرب مكان، لأنه لا بعيد عليه: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ} وهذا وعد من اللّه تعالى بإجابة دعاء عباده ولا أو في من اللّه أبدا البتة، وقد يكون التخلف من العبد لعدم قيامة بشروط الدعاء المطلوبة منه فيه، واللّه تعالى أهل للإعطاء، ولكن العبد ليس بأهل للإجابة بسبب عصيانه وطيشه: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي} بالإيمان بي والتصديق لرسلي وكتبي والاعتراف بملائكتي واليوم الآخر إذا أرادوا أن أجيب دعاءهم: {وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [186] لمصالح دينهم ودنياهم.
وسبب نزول هذه الآية أن اليهود قالوا كيف يسمع ربنا دعاءنا، وتزهم يا محمد أن بيننا وبين كل سماء مسافة خمسمائة عام، وسمك كل سماء كذلك؟
وقال بعض الأصحاب يا رسول اللّه أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ وقال بعضهم هل يجيب ربنا دعاءنا، وفي أي وقت ندعوه؟ فنزلت جوابا للكل.
وقد ذكرنا غير مرة أن لا مانع من تعدد الأسباب.